الأحد، يونيو 06، 2010

في ذكرى استشهاده .. سيبقى القاسم رمز للعطاء بقلم : نزهة المكي



 


عمر محمود القاسم شهيدا
 
       في مثل هذا اليوم من حزيران 1989م، ارتقى القائد الوطني الفلسطيني الكبير عمر محمود القاسم شهيدا بعد أكثر من واحد و عشرين عام من الاعتقال قضاها متنقلا بين سجون العدو الصهيوني و زنازينه . عاش تفاصيل المعاناة وعذابات السجون، كان سفيرا للعطاء في كافة باستيلات القهر الصهيوني، تنقل في كل السجون، عُرف مناضلا متفانيا محبا لقضيته من قبل كافة السجناء الذين التقاهم فأحبهم وأحبوه، فمنذ اعتقاله عام 1968م وحتى استشهاده، رسخ معاني سامية كمناضل صلب، وقائدا فذا في سجون الاحتلال، مارس النضال، داخل وخارج السجن بأروع صوره، فأطلق عليه زملائه شيخ الأسرى والمفكرين، لما كان يتمتع به من قوة وبأس، قوة بالفكر وبالا رادة، فكان من ابرز المفكرين والمثقفين الفلسطينيين، داخل وخارج سجون الاحتلال، ويعتبر الشهيد القائد عمر القاسم أول قائد وشهيد دخل السجون الإسرائيلية بمستوى عضو لجنة مركزية، وفقا لما يرويه عنه شقيقه و أمين سره الكاتب و الباحث احمد محمود القاسم .
تميز القائد عمر القاسم برقي فكره و نضاله المنحاز لقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم، والعاشق لقضايا الفقراء والكادحين، فقد عمده ذلك وصلبه في مواجهة القمع الإسرائيلي داخل السجون، فكان يعتبر ما تقوم به إدارات السجون ليس غريبا على هذا الصنف من البشر الذي لا يستحق أن نقتدي به، فقد كتب يقول " لن نسمح للحقد، والممارسات الفاشية والعنصرية الصهيونية، أن تخلق في نفوسنا الرغبة في الرد عليهم بالمثل، والنظر للديانة اليهودية بشكل عنصري، فإننا سنحارب العدو، بما يخدم القيم الوطنية والإنسانية والسلام العالمي، رغم أننا نتألم للمآسي التي تسببها حربهم العدوانية، وممارساتهم العنصرية، ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، وضد أطفاله ونسائه، والرجال الكبار منهم ،وللشعوب العربية، وحتى للإسرائيليين أنفسهم" .
لقد سطر هذا القائد الخالد ورفاقه في الأسر في تلك الحقبة أروع الملاحم البطولية، وقدموا نموذجا يحتدا به للمناضل الفلسطيني الذي يرى قوته و هيبته و ما يحفره على صفحات المجد عنوانا خالدا، من خلال حب الوطن والتفاني في خدمة الناس و تقديم النموذج الأكثر عطاء وتضحية، هذه القيم التي لا يمكن أن يشعر بها أو يتفانى في تقديمها إلا من يعرف قيمة المحبة بين الناس خاصة أولئك الذين يشاركونك المأساة أو يشعرون بها، و يتجرعون معك نفس الكأس مهما اختلفت انتماءاتهم، فكلهم منتمون لوطن واحد و لهدف ومصير واحد .
استمد القاسم قوته و صلابة عزيمته من حبه لكل أبناء شعبه ومن حبهم له، فزنازين المحتل وسجونه لم تكن تخلو من أي طيف سياسي، فقد وحدت ألام السجن ومعاناته كافة المناضلين، وزادتهم ترابطا ووحده، إيمانا منهم بان وحدة الشعب الفلسطيني هي الأساس،وهي ما ستمكنه من الانتصار على سياسات القمع الصهيوني، والانتصار على الظلم والقهر مهما طال أمد الاحتلال أو قصر، يقول القاسم في وصف المناخ الجميل الذي كان يجمعه بكافة الأسرى و يعيشه معهم  " فأنا في الحقيقة، أعيش بين أهل، يحبون بعضهم بعضا، والمحبة، هي ثمرة العطاء في كل شيء، وسعيد ذلك الإنسان، الذي يجعل حياته كلها عطاء "
اجل إن المحبة هي جوهر العطاء لأننا لا يمكن أن نضحي و نعطي بكل قوة لمن لا نكن له المحبة الصافية و الوفاء الصادق .
علينا أن نخجل من أنفسنا الآن وقد رفعنا راية الانقسام والحقد و الكراهية و النفاق، و جعلناها سيدة الواقع الفلسطيني، وأصبحت روح تعاملنا مع أنفسنا و قضايا الوطن قائمة على أساس المصلحة الخاصة و الفئوية على حساب مصلحة الوطن و الشعب .
بقوة الحب و بروعة الوفاء ، بكل خشوع و إجلال نقول لروحك الخالدة أيها القائد العظيم ، رحمك الله، وعهد المحبة و الوفاء لذكراك الطاهرة وللقيم التي قضيت من اجلها ، ونقول لكل من استهواهم واقع الانقسام المزري، إن الإخلاص لروح الشهيد عمر القاسم وكافة شهداء شعبنا يعبر عنه من خلال المواقف العملية التي تجسد معاني الوحدة والنضال المشترك، والتعالي فوق قضايانا الصغيرة التي تتناقض ومصالح الشعب الوطنية .
و إلى اللقاء في السماء ، سماء المجد و الخلود ، سماء الأحرار الذين لم ينكسوا رؤوسهم من اجل مصالح رخيصة، أو لقمة خبز مغمسة بالذل و المهانة .
أما أنت يا عمر :
فعش طليقا من الحبسين يا عمــر
جارت على الروح، ارض الشـر فانتصرت لها السماء، ففي عليائها ظفر
وليس في الأرض، للأقمار متسع وهل بغير العلا يستوطن القمـــر
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق